تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » الصحة النفسية » العصاب : ما هو مرض العصاب وكيف تعرف أنك مصاب به بشكل علمي ؟

العصاب : ما هو مرض العصاب وكيف تعرف أنك مصاب به بشكل علمي ؟

العصاب هو أحد الأمراض النفسية التي يخلط الناس في تعريفها، في السطور المقبلة نتطرق إلى تعريف العصاب وذكر طرق الوقاية والعلاج له.

العصاب

العصاب Neurosis هو المرض النفسي بألف ولام التعريف. إذ بخلاف ما يظن الكثيرون من أن العصاب مرض نفسي من بين العديد من الأمراض النفسية، فالعصاب مرادف للمرض النفسي كما أن الذهان مرادف للمرض العقلي، فالشخص العصابي هو الشخص المريض نفسيا بينما الشخص الذهاني هو المريض عقليا. ومما يظهر أن العصاب أصبح ظاهرة آخذة في الاتساع في عصرنا الحالي، وذلك لما طرأ على العصر الحديث من تغيرات كثيرة وظهور فوارق اجتماعية وكيانات اقتصادية وسياسية لم يكن لها وجود في السابق. وقد يثار التساؤل: وما علاقة ظهور كل هذه الظواهر المستحدثة بانتشار العصاب؟ والإجابة على مثل هذا التساؤل أننا بحاجة أولا لتحديد ماهية النفس وآلية عملها وماهية العصاب لكي نفهم العلاقة بين انتشار ظواهر حضارية ما وبين المرض النفسي أو العصاب. وفي هذا المقال سوف نتعرض لماهية النفس وآلية عملها ثم نعرج لماهية العصاب ثم بعد ذلك يكون الحديث عن أعراض العصاب وأسبابه وعلاجه.

كل ما يخص مرض العصاب

ماهية النفس

وإذا ما تحدثنا عن ماهية النفس فإننا سنضطر أيضا إلى تبديد صورة ذهنية تكونت عنها لدى عقول السواد من الناس، ذلك أن النزعة المثالية للتصورات تغلبت على العقل الإنساني لفترات طويلة، ولا زالت. فالناس يعتقدون النفس عبارة على كيان متعالي عن البدن قد لاقى حظه من الوجود من قبل أن يوجد البدن، ولكن في عالم آخر غير هذا العالم الحسي. ومع كامل احترامنا لوجهة النظر الدينية هذه والتي لا تخلو من نظريات فلسفية مثالية سابقة على نزول الأديان، ومع عدم رغبتنا أيضا في نزعها من عقول الناس، وإنما نريد فقط ما يريده العلم، وهو أن نكون أكثر تحديدا بشأن ما نتحدث عنه حتى نستطيع التعاطي معه وفهمه بشكل أفضل، فالعلم يريد كيانات يستطيع أن يخضعها لمنهجه وتحليله؛ ليستطيع الفهم والتفسير والسيطرة على هذه الكيانات. فلو أن العلم قد أخذ بالتصورات المثالية الفلسفية الدينية عن النفس لما استطاع أن يفهمها أو يعالج مريضا، ولقبع العلم طويلا دون أن يتقدم خطوة واحدة في الفهم والتحليل. وإذا أردنا أن نرسم صورة للنفس نستطيع فهمها والتعامل معها -فإن النفس حينئذ ستكون هي الوعاء الشعوري لكل ما يحيط بالإنسان ويضطره للتفاعل معه تفاعلا إجابيا أو سلبيا.

آليات عمل النفس

ولتكون الصورة أكثر وضوحا حول ماهية النفس، فإن الإنسان يتلقى خبراته عن الوجود المحيط به عن طريق الحواس، وهذه الحواس بدورها تُكوّن صورة ذهنية لدى العقل، وهذا العقل بدوره يُكوِّن تقييمات ويسجل مواقف معينة من هذه الصور الذهنية، وهذه المواقف المسجلة تترجم في صورة شعور، وهذا الشعور عندما يتداخل مع المشاعر الأخرى التي يسجلها العقل يكوّن جملة من الشعور والذي اصطلحنا عليه بالوعاء الشعوري، وهو النفس. فالنفس إذن هي الحالة الشعورية الكلية التي تتأتى نتيجة طريقة تحليل العقل للواقع المحيط وتعاطيه له وتربيطه لعناصر الواقع في صورة علاقات. وعندما يحدث خلل في هذا التحليل والتربيط أو التركيب الذي يقوم به العقل ينتج عنه خلل في الشعور، وقد يكون هذا الخلل منبعه العقل بينما الواقع بريء منه، وقد يكون منبعه الواقع نفسه وأخذه العقل كما هو على علاته، فكانت النتائج التقييمية غير مرضية، الأمر الذي يؤدي إلى جملة غير مرضية من الشعور، ومنها سوء التوافق النفسي الذي هو العصاب. من هنا نستطيع تفهم ما قلناه سابقا من أن العصاب ظاهرة آخذة في الاتساع نظرا للتغيرات الجذرية التي لحقت بالمد الحضاري من حولنا. حيث أن النفس هي المسرح الشعوري الذي تتفاعل عليه كل الصور الذهنية التي يرسمها العقل عن الواقع بتفاعلاته وعلاقاته التي قد تكون سليمة وقد تكون غير ذلك. فانتشار العدل بين الناس مثلا يُكوّن علاقات واقعية سليمة مرضية للعقل والنفس، لكن على النقيض فإن استفحال واستفحال الفوارق الطبقية بين الناس يكون علاقات واقعية مأزومة غير مرضية للعقل والنفس. وتتجلى العلاقة بين العقل والنفس واضحة حين نعرف أن الأشخاص الأكثر وعيا هم أكثر عرضة للإصابة بالعصاب. أي أن الأشخاص ذوي العقول المصقولة القادرة على تحليل الواقع وفهم علاقاته أكثر هم الأكثر استعدادا لسوء التوافق النفسي.

ماهية العصاب

كما تحدثنا مسبقا فإن العصاب ليس نوعا خاصا من المرض النفسي وإنما هو المرض النفسي ذاته. وليس للمرض النفسي أو العصاب حدا معيننا يمكن أن نجده منطبقا بكماله على أشخاص بعينهم فنصفهم بأنهم أشخاص عصابيون، وإنما يمكن أن نعتبر العصاب حالة من سوء التوافق النفسي. إذ أن جميع الأشخاص باختلاف أنواعهم وأعراقهم وبيئاتهم وأحوالهم المزاجية يمكن وضعهم على مدرج يمثل أحد حديه حسن التوافق النفسي والحد الآخر سوء التوافق النفسي، ومن خلال هذا المدرج سيتضح لنا أنه لا يوجد إنسان يقف على أحد حديه، وإنما النفس الإنسانية تقع بين هذين الحدين تتفاوت في درجة التوافق النفسي، فلا يوجد أحد حسن التوافق النفسي بنسبة مئة بالمئة ولا سيئ بنسبة مئة بالمئة، وإنما الكل يقع في المنطقة الرمادية بين الحدين تختلف حالاتهم صعودا وهبوطا على مدرج التوافق النفسي. والشخص العصابي هو الذي يقترب تدريجه من سوء التوافق النفسي بشكل يجعله يواجه المجتمع بشكل متعسر، كما لا يستطيع النهوض بما ينبغي عليه النهوض به من المسؤوليات، الأمر الذي يجعله على حظ ضئيل من السعادة وعلى حظ كبير من البؤس والشقاء.

أعراض العصاب

كما للأمراض البدنية أعراضا تمكننا من الاستدلال على المرض وتشخيصه، كذلك للعصاب أو المرض النفسي أعراضا تدلنا على نوعية المرض. وللعصاب أعراض ظاهرة نذكر أهمها:

  • قلق خفي أو ظاهر يؤدي بالشخصية إلى الخوف والتوتر وعدم الارتياح والشعور بانعدام الأمن.
  • عدم النضج الانفعالي والمبالغة في ردود الأفعال السلوكية.
  • الاتكالية، أي الاعتماد المبالغ فيه على الآخرين والرغبة في إلقاء كل الأحمال عليهم بكثرة الشكوى إلى الآخرين التماسا للعون منهم.
  • سيطرة الحزن الذي يصل حد الاكتئاب.
  • ظهور بعض الاضطرابات البدنية غير واضحة السبب.
  • ضعف القدرة على الإنجاز، وكذلك ضعف القدرة على الأداء الوظيفي التام.
  • قصور الأساليب التوافقية والحيل الدفاعية وكثرة وتكرار السلوكيات ذات الدوافع اللاشعورية.

أسباب العصاب

  • المشكلات الحياتية التي تنشأ منذ الطفولة مرورا بالمراهقة وحتى الرشد إلى الشيخوخة، كل ذلك من شأنه الإصابة بالعصاب، وبشكل أخص تلك الصدمات التي ضربت بجذورها في أعماق اللاوعي عند الطفولة، كاضطراب العلاقة بين الوالدين وبعضهما أو بينهما وطفلهما، أو تم تنشئة هذا الطفل تنشئة محفوفة بالخوف وعدم الأمن والتوجيه والإرشاد المفرطين والحرمان، إلى غير ذلك من أساليب التنشئة الغير سوية.
  • فرط الحساسية والشعور الحاد الدقيق للفرد الذي يجعله يتحسس كل كلمة وكل موقف يساق له.
  • الكبت الذي تفرضه التقاليد والعادات الاجتماعية على الفرض لتمنعه من التنفيس عن طاقاته وإمكاناته وتلبية حاجاته ورغباته الأساسية بشكل سلس وسليم.

علاج العصاب

من حسن الحظ، فإن العصابي -بخلاف الذهاني- يكون قادرا على استيعاب أزمته، فهو مدرك تماما أن ثمة مشكلة ينبغي حلها، وإدراك المريض لحقيقة أنه مريض لهو من العوامل الفعالة في عملية العلاج. لكن ثمة أزمة أخرى خلقتها الثقافة حول المرض النفسي أو العصاب، وهو أن المريض النفسي موصوم دوما بدلالات الجنون والشذوذ العقلي والنفسي، وهذا وللأسف أحد آفات الثقافة العربية التي تمتاز بانخفاض مستوى الوعي لدى أفرادها، وهذا من شأنه إثناء المريض عن الذهاب إلى الطبيب المختص أو المعالج النفسي لحل أزمته. لكن على المريض العصابي الذي يتمتع بحظ وافر من الوعي -وأغلب العصابيين كذلك- أن يضرب بنظرات الثقافة عرض الحائط ويتوجه إلى طبيب نفسي أو معالج نفسي يعمل على تحليل مشكلته، ورفعها من لاوعيه، حيث الأفعال اللاواعية أو اللاإرادية، إلى وعيه؛ ليدرك أين تكمن أزمته، ويستطيع بمعاونة المعالج أن ينتصر على علته بعد أن وضعها قيد مكنة الوعي والإرادة.

ليزا سعيد

باحثة أكاديمية بجامعة القاهرة، تخصص فلسفة، التخصص الدقيق دراسات المرأة والنوع.

أضف تعليق

8 + 15 =