تسعة
الرئيسية » صحة وعافية » البلوغ المبكر : كيف يصبح البلوغ في وقتٍ مبكر ضارًا بالصحة ؟

البلوغ المبكر : كيف يصبح البلوغ في وقتٍ مبكر ضارًا بالصحة ؟

حالات البلوغ المبكر هي حالات يصل فيها الفرد إلى سن البلوغ قبل الوقت المحدد، نستعرض أسباب ظاهرة البلوغ المبكر وكيفية تأثيرها السلبي على الصحة.

البلوغ المبكر

البلوغ المبكر هو وصول الفتاة أو الفتى إلى سن البلوغ واكتمال الأعضاء والوظائف التكاثرية في سن مبكر جداً، فبدلاً من كونه يعيش براءة الطفولة وحلواتها تجد الفتاة نفسها تمتلك نهوداً وتأتيها العادة الشهرية بانتظام، ويجد الفتى والفتاة أمزجتهم تتغير وكأنهم مسوخ لا يعيشون مناسبين لهذا السن أو ذاك. البلوغ المبكر مربك جداً ومعقد وله عواقب وخيمة سواء على الفتاة أو الفتى. في هذا المقال سنتعرف أكثر عن البلوغ المبكر وأمثلة ستتعجب لها وكيف يكون هذا الأمر منتشر وبدأ أن يكون أمراً واقعاً مع الزمن.

كيف يؤثر البلوغ المبكر بشكل سلبي على الصحة؟

لينا ميدينا

في عام 1933 ولدت الفتاة لينا ميدينا بعد ولادة طبيعة، وبعد ثمانية أشهر بدأت تأتيها الدورة الشهرية بشكل منتظم تماماً كالفتاة التي تبلغ اثني عشر عام أو أكثر. وبعمر الخمس سنوات والسبعة أشهر حملت لينا بطفلها الأول، ولم يعرف أحد أبوه. وبعد اكتمال الحمل ولدته عن طريق عملية قيصرية وكان طفلاً سليماً متكاملاً عاش حتى عامه الأربعين ومات بمرض في العظام. بالطبع تربى ابنها معتقداً أنها أخته الكبرى حتى علم الحقيقة وهو بسن العشرة سنوات. عندما كانت لينا بعمر الثمانية أشهر فقط وبدأت العادة الشهرية بالانتظام معها نما أيضاً لها شعر عند العانة وكبرت نهودها، وأظهرت كافة التحاليل أنها امرأة كاملة جسمانياً وتستطيع أن تنجب وتتزوج كما المرأة العادية، ولكنها في ذات الوقت مجرد طفلة.

البلوغ المبكر أمر واقعي

في القرن الثامن عشر كانت الفتاة تبدأ في البلوغ ويأتيها الطمث في سن السابعة عشر، أما الآن فالمعدل الطبيعي والمعروف عند الفتيات في سن الثالثة عشر. هذا الفرق لم يكن الوحيد في تاريخ البشرية. إذ كنا قبلاً نسمع عن رجال ونساء يتزوجون وينجبون وهم في سن أكبر مما يعني أنهم تزوجوا في سن أبكر عما هو ممكن في هذا الأيام. أما منذ خمسة عشر عام والصدر يبدأ بالظهور وملامح الأنوثة تتكون في سن مبكر وقبل الطمث بسنة أو أكثر أي بعمر العشر سنوات. في بحث دنماركي صدر في 2009 أثبت أن الفتيات يبلغن مبكراً عن أي وقت مضى بالتاريخ مما دفع السلطات إلى السماح بالزواج في سن مبكر أكثر، فبدلاً من سن العشرين أصبح المتاح سن الثامنة عشر. من ناحية أخرى لا نجد الذكور يستطيعون مجاراة الإناث في هذه السرعة والبلوغ المبكر، ولكن في العموم فالإحصائيات تثبت أن الذكر هو الأخر يبلغ أبكر مما كان عليه في السابق من ثلاثين عام.

بعام 2007 في كوبنهاجن أظهرت الدراسة على 463 ذكر أنهم نضجوا مبكراً عن المعتاد بأربعة أشهر، أما في 2010 في بلغاريا فالدراسة أثبتت وجود البلوغ المبكر عند الفتيان بفرق سنة كاملة عن أخر دراسة من ثلاثين عام. إذاً الأمر واقعي وملموس في كل بقاع العالم وعلى البشرية كلها وغير مقتصر على شعب معين فقط. في تلك الدراسات كان يتم قياس طول الخصية من سن يوم إلى سن التاسعة عشر، فكانت الخصية تبدأ في الكبر وهو الدليل على بداية دخول الفتى إلى عالم المراهقة من سن التاسعة. أما بعام 1980 فكان المتوسط هو سن الثالثة عشر.

عقل الأطفال عند البلوغ المبكر

كما قلت سابقاً فإن البلوغ المبكر هو أمر مربك للعقل جداً، فإن كان المراهق لديه كمية من التساؤلات والصراعات بين عالم الكبار والصغار فما بالك حين نجعل هذا الصراع يأتي مبكراً. العقل ونضوجه لا علاقة لهم بالنضوج الفيزيائي والعضوي التكاثري للجسم، بل على العكس كلما كبر الجسم مبكراً كلما زاد الصراع مع العقل الغير مكتمل بشكل أقوى. خاصة في المجتمعات المنغلقة والتي تتعارض قوانينها مع الحالة الجديدة للبالغين مبكراً، فيحدث نوع من الكبت للطفولة في سجن العادات والتقاليد والضوابط الجديدة المفروضة اجتماعياً بعد سن البلوغ، وعلى عقل الطفل الصغير أن يتكيف معها.

أخطار البلوغ المبكر

أثبتت الدراسات أن البلوغ المبكر عند الفتيان يكون له أخطار على الحالة النفسية للذكر، ويعرضه أكثر إلى الانحراف الجسدي لتلبية حاجة الجسم مع الذكور الأخرى المتاح له التعامل معهم لأن الإناث أو النوع الأخر شبه منعزل تماماً. وتزيد نسبة الإدمان والتدخين والأعمال الإجرامية والعنف والأمراض التناسلية بالطبع. كما تتعرض الفتيات لمشاكل نفسية وجسمانية أخطر وأشد ضرراً. إذ تزيد نسبة حدوث أمراض نفسية وصراعات وكآبة شديدة كلما بكرت في البلوغ بسنة. كما تزيد نسبة حدوث سرطان الثدي والرحم وأمراض القلب والسكتات الدماغية أو حتى الحوادث. في عام 2007 أظهرت دراسة أجريت على 60 ألف امرأة تمت متابعتهم طوال حياتهم من الصغر إلى الممات، أن كلما أبكر البلوغ سنة، زادت نسبة الموت بأمراض السرطان وغيرها 2.4 بالمئة. وتزيد أيضاً نسبة الإصابة بمرض سرطان الثدي والأمراض النفسية الأخرى والحالات الاكتئاب بنسبة 12 بالمئة.

البحوث لا تقدم تفسيراً واضحاً لأسباب حدوث هذه النتائج، ولكن الشيء المشترك الأغلب في جميع هذه الحالات هو مرض السمنة والانعزال عن المجتمع والخجل. كل تلك الأعراض سببها الرئيسي هو عدم وعي الأهل وبالتالي عدم وعي الطفل ودخوله في صراع نفسي وبدني رهيب لا يحتمله عقله الغير ناضج كفاية. وعندما يكره الطفل حياته بهذا السن المبكر يبدأ أولى خطواته نحو القرارات السيئة والانحراف عن المسار الطبيعي للحياة. ومن هنا تأتي الأزمات فتتحول إلى صور ملموسة في زيادة نسب الإصابة بالأمراض والموت المبكر.

الفقراء لا يبلغون مبكراً

من البديهي أن الطفل في العائلة المرتاحة مادياً يبلغ أسرع عن الطفل الفقير، لأنه يأكل جيداً فيعطي الجسم الطاقة اللازمة لتلبية احتياجاته. كذلك هو الأمر بالنسبة لعملية البلوغ المبكر، لأن الدراسة التي أجريت في الدنمارك أثبتت أن العالم النامي في العموم أو العائلات الفقيرة يبلغ أطفالها متأخرين سنة أو قد يصل الأمر إلى ثلاثة سنوات كاملة فرق بينهم وبين العالم المتحضر أو الغني. الأمر لا ينطبق على وجود المال فقط بل في كل شيء يؤدي إلى الاستقرار، فالخلافات الاجتماعية وعدم الاستقرار والخوف يؤخر عملية البلوغ، أما الحياة الهادئة فينمو فيها الطفل بشكل صحي وسليم، ويبدأ فيها بلوغه أسرع وأبكر بسنة أو أكثر.

وباء السمنة والبلوغ المبكر

هذه القفزة الكبيرة في معدل الوصول إلى البلوغ في كل العالم بدأت منذ ستينات القرن الماضي، وهو ما يتناسب مع بداية استقرار العالم وغنى الدول المتقدمة وبداية إعلانات الطعام والمشروبات في الانتشار بسرعة فائقة بالوسائل الحديثة الجديدة، مما يتناسب أيضاً مع زيادة معدلات السمنة حول العالم وزيادة الأوزان سواء عند الكبار أو الصغار. هذا الأمر لا يمكن أن يتخطاه العالم ويتناساه بسهولة لأن ارتباط زيادة الوزن مع البلوغ المبكر هو أمر يفرض نفسه على الطب والعلماء. الفتيات يبلغن مبكراً من أيام الستينات بمقدار تبكير 0.3 سنة كل عام، وهذه الإحصائيات مقلقة جداً ولا نعرف إلى أين ستصل. فيمكننا إحصائياً إيجاد علاقة بين حجم الجسم القياسي المفترض والبلوغ المبكر.

الهرمونات هي من تلعب الدور الأساسي في البلوغ المبكر لأن كل شيء يسير عن طريق التغيرات الهرمونية التي تغير من مسار نمو الجسم ونضوجه خاصة في أعضاءه التكاثرية. فإن نظرنا إلى مرض السمنة سنجد أن الدهون المتراكمة ومخازنها تؤثر على خروج الهرمونات وكمياتها من الغدد المسئولة، فمن بعد عمر الرضاعة وأي زيادة بحجم الجسم تؤثر سلبياً على استقرار الهرمونات وعملها. من ناحية أخرى نجد أن البيئة المحيطة لها دوراً كبيراً في التأثير على الهرمونات، وقد تستعجب من الأمر عزيزي لأن ما هي علاقة البيئة الخارجية بتناسق الكيميائي للهرمونات في الداخل؟ وصدقني فإن المواد الكيميائية التي أصبحت تلوث بيئتنا ومزارعنا ونمسكها بأيدينا في كل كبيرة وصغيرة بحياتنا، تؤثر بشكل سلبي جداً على التفاعلات الكيميائية الداخلية. على سبيل المثال مادة الـ د.د.ت المستخدمة في الزراعة وهي سامة في الحقيقة، أو مواد الفينول ومشتقاته في أدوات النظافة والداخل في صناعة البلاستيك الذي لا تخلو منه منازلنا، كلها مواد كيميائية ضارة على الجسم وليس من المفترض أن يتعرض لها خاصة بالسن الصغير، وتم التأكيد بالأبحاث التي أجريت على الفئران أنها تزيد من فرص البلوغ المبكر بشكل كبير وواضح. بعد كل ذلك لا يجب أن نلوم إلا أنفسنا على مأساة أطفالنا.

تأثير وضع الحياة الأسرية على البلوغ المبكر

كما أن البيئة وموادها المضرة الجديدة خطراً على الأطفال، كذلك المشاكل العائلية والخلافات الأسرية تقف عائقاً أمام النمو الصحيح للطفل. الباحث جاي بيلسكي من جامعة بنسلفانيا لاحظ أن الأطفال الذين يعانون من مشاكل أسرية وانقسامات بين العائلية يتكون عندهم ردة فعل تجاه هذه المشاكل تتمثل في البلوغ المبكر، بدون إدراك أو فهم واعي للموضوع. وهو رد فعل بيولوجي من الجسم نفسه ليرد بذلك على الواقع الأليم بواقع أشد مرارة. كما أن التغيرات السريعة في الهرمونات تزيد عند التوتر النفسي رغم إن تلك النظرية الأخيرة تم التشكيك بها أكثر من مرة. ولكن بين الأعوام 2005 و2008 تم إجراء دراسة على 8000 طفل وطفلة بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بحيث أظهرت النتائج أن غياب الأب عن المنزل يجعل الطفل أو الطفلة معرض للبلوغ المبكر أكثر من غيره، ولكن لا تغير في حالة وجود الأم أو عدمه وكذلك في وجود زوج أب أو عدمه. الأمر يبدو غريباً وغير مفهوم ولا توجد نظرية كافية لتفسيره ولكنه الحال ولا يمكن إنكاره.

البلوغ المبكر يترتب على عوامل كثيرة

مما سبق نستنج أن البلوغ المبكر يعتمد على عوامل كثيرة جداً ومتشابكة لا يمكن فصلها وتحليلها بسهولة، لذلك قد لا توجد إجابة واضحة مفسرة لتقلص المدة المطلوبة للوصول إلى البلوغ. بغض النظر عن العلم وتفسيراته فإن الأمر واقع ومقلق، وبحسب الإحصائيات فبعد مئة سنة من الآن سنجد أن الذكر وصل إلى مرحلة البلوغ الكاملة بعمر العشر سنوات ويحتاج جسمه إلى الجنس وغيره من المتطلبات اللازمة لسد الاحتياج الإنساني. وستجد الأسوأ للفتيات لأنهن سيبلغن قبل أن يدخلن المرحلة الابتدائية من الأساس، والفرق بينهم وبين الذكور سيكون أبعد، وسنواجه مشاكل اجتماعية ونفسية لا حصر لها. فهل سيكمل العالم طريقه بهذا الاتجاه، وما هو الوضع المتبع مع تلك الظروف الغير اعتيادية؟

أخيراً عزيزي القارئ عليك أن تدرك أهمية الأمر وإن كنت والد أو والدة فعليك أن تدرك أن تصرفاتك مع أطفالك بهذا الوضع المحرج يترتب عليها حياة مستقبلية سليمة أو مشوهه لأطفالك. قرب وقت البلوغ هو وقت ومرحلة معقدة جداً والمشاعر بها متقلبة وحساسة جداً، فتعلم وثقف نفسك في كيفية التعامل الصحيح مع الأطفال المشرفين على سن المراهقة قبل أن يكونوا مراهقين من الأساس. النصيحة الأساسية هنا هي الدعم وتوفير الحماية النفسية والفكرية لولدك، وتؤهله لتلك المرحلة حتى لا يكون متخوف أو مرتبك، ولا تخجل من أن تصارحه وتتكلم معه بحرية عن إحساسه واحتياجه وتقبله، حتى لا يأتي وقت وتندم فيه عن بقاءك مكتوف اليدين وطفلك يضيع منك إلى طريق بلا رجوع.

سلفيا بشرى

طالبة بكلية الصيدلة في السنة الرابعة، أحب كتابة المقالات خاصة التي تحتوي علي مادة علمية أو اجتماعية.

1 تعليق

19 − 5 =